ديباجة : تعيش اللغة والثقافة الأمازيغيتان في الوقت الراهن وضعية مزرية بفعل الظروف الموضوعية التي فرضتها عليهما حالة التهميش والدو...
ديباجة :
تعيش اللغة والثقافة الأمازيغيتان في الوقت الراهن وضعية مزرية بفعل الظروف
الموضوعية التي فرضتها عليهما حالة التهميش والدونية التي تعانيان منها على مختلف المستويات. وبالنظر إلى كون اللغة والثقافة الأمازيغية من مكونات الهوية الثقافية للمغاربة فإن
الإنشغال بمصيرها وبضرورة النهوض بهما مسؤولية ملقاة على عاتق الجميع. وفي هذا الإطار
تندرج مبادرة بعض الجمعيات الثقافية المهتمة باللغة والثقافة الأمازيغيتين، حيث توجهت
إسهامها في أعمال الدورة الرابعة للجامعة الصيفية بأكادير (29 يوليوز – 6 غشت 1991
بصياغة والتوقيع على ميثاق حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين بالمغرب. وهو ثمرة مجهود
جماعي يمكن اعتباره إسهاما في بلورة مشروع شمولي لبناء ثقافة وطنية ديمقراطية ببلادنا.
الهوية الثقافية المغربية: الوحدة في التنوع
إن هوية الثقافة المغربية تتحدد بشكل علمي وموضوعي في المعطيات التالية
:
- عراقة تاريخ المغرب وتأصل الثقافة والحضارة الأمازيغيتين في أرض المغرب منذ
أزيد من خمسين قرنا، حسب ما هو متوفر من قرائن أثرية.
- حضور اللغة والثقافة
العربيتين بالمغرب كجزء مهم من الهوية الثقافية المغربية.
- تفاعل الثقافة الأمازيغية
مع غيرها من الثقافات المجاورة والوافدة دون أن يفقدها ذلك بالاحتكاك خصوصيتها الجوهرية.
ومن هذا المنطلق، تكون الثقافة المغربية متمثلة في كل من البعد الامازيغي
والبعد العربي والبعد الإفريقي والبعد الكوني وهي أبعاد لا يمكن اختزالها في بعد أو
نموذج واحد على حساب الأبعاد الأخرى.
ويظهر تكامل وانصهار هذه الأبعاد كلها في اللغة والفكر والعادات والتقاليد
ومظاهر الحضارة من عمران وفنون وآداب وغيرها من الجوانب الحياتية للإنسان المغربي.
1- الثقافة الأمازيغية
:
الثقافة الأمازيغية أقدم حضارة ترعرعت على أرض المغرب، وهي من أبرز المكونات
الثقافية والحضارية للشخصية المغربية المتعددة الأبعاد. بقيت محافظة على خصوصياتها
الذاتية رغم ما واجهها من تحديات ظرفية وما توافد عليها من ثقافات.
كما بقيت دائما مطبوعة بسمات ساعدت على صمودها، ومنها انسجام وتوافق عناصرها،
وتوازن علاقاتها مع غيرها من الثقافات التي احتكت بها في تفاعل جدلي لم يفقدها أهم
مقوماتها إذ تقتبس ما يلائمها فتكيفه مع قوالبها التابثة، مما جعلها تسهم بفعالية في
إغناء الثقافة الكونية، بدليل تأثيرها على العديد من الثقافات المجاورة لها.
وكغيرها من الثقافات العالمية، فهي تطبع شخصية حاميلها بخصوصياتها، كما تتطور
وتنمو وفق القوانين الطبيعية التي تحكم حياة ومسار الثقافات الحية. وهي أساسا منقولة
عبر اللغة و الأمازيغية آدابها وفنونها.
2- اللغة الامازيغية
اللغة الامازيغية هي أقدم لغة على أرض المغارب. يرجع تاريخ تدوين حضارتها
وثقافتها إلى ما يزيد عن خمسين قرنا وتنتشر على رقعة جغرافية تفوق مساحتها خمسة ملايين
كلمتر مربع، حيث تمتد من الحدود المصرية الليبية إلى جزر الكناري، ومن الشط الجنوبي
للمتوسط إلى مالي والنيجر بإفريقيا، علما بأن أكبر مجموعة سكانية ناطقة بها توجد في
المغرب، واللغة الأمازيغية لغة التعبير عن الهوية الأولى للمغاربة، وهي ركيزة أساسية
في محيطهم الثقافي والاجتماعي، فهي التي تقولب لا شعورهم الجماعي وتطبع شخصيتهم الأساسية،
كما أنها البوثقة التي تتشكل فيها الحركة الثقافية الأمازيغية راهنا
.
إضافة إلى هذا فاللغة الأمازيغية نظام تواصلي قائم بذاته، متوفر على المكونات
المعتمدة علميا في تعريف لغات العالم إلا أن افتقارنا إلى المعايرة وغيابها من البرامج
التعليمية ومن الدواليب الثقافية والإدارية والاقتصادية الرسمية، خفض قيمتها في سوق
الممتلكات الرمزية، كما جعلها عرضة للتحقير والإهمال من قبل الأجهزة الإديولوجية السائدة.
ونتيجة لاتساع رقعة تداولها، وبسبب تهميشها في المشاريع السياسية والاقتصادية والتربوية
وإقصائها من المجالات التربوية والثقافية والرسمية، عرف نظامها نوعا من عدم التجانس
ومن التفاوت في بنيتها السطحية مما يعوق أحيانا التفاهم بين الناطقين بها في مناطق
متباعدة. وهذا لا يشكل في حد ذاته نقصا جوهريا في الأمازيغية ، لكونه ظاهرة تعرفها
كل اللغات المعرضة لنفس التهميش .
3- واقع اللغة والثقافة
الأمازيغيتين
رغم بديهة المعطيات السالفة الذكر، والتي تبرز من خلالها أهمية المكون الثقافي
واللغوي الأمازيغي في الشخصية الثقافية المغربية، فإن الواقع الذي تعيشه اللغة والثقافة
الأمازيغيتان ببلادنا يكشف عن مفارقة صارخة وتناقص فاحش، تشترك في التعاضي عنهما جل
الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الوقت الراهن :
فقد بقيت نصوص إنشاء وتنظيم معهد وطني للدراسات والأبحاث الأمازيغية حبرا
على ورق، حيث لم تبذل الهيئة التشريعية والتنفيذية رأي مجهود لبلورتها على أرض الواقع.
وباستثناء بعض المبادرات، فلا مكان للغة والثقافة الأمازيغيتين في البرامج
الثقافية للأحزاب السياسية التي تلوذ بالصمت بشأن بما يخص مكانة ودور هذين المكونيين
الأساسيين للهوية الوطنية في الحقل الثقافي والتربوي.
كما أن برامج مؤسسات البحث والتعليم العالي لا تولي اللغة والثقافة الأمازيغيتين
إلا اهتماما خجولا لا يرقى إلى أدنى مستويات الاهتمام المخصص لهما في الجامعات والمراكز
الأكاديمية في الدول الأجنبية .
ويرجع هذا التهميش المنهج للغة والثقافة الأمازيغيتين إلى عوامل متعددة منها
ما هو تشريعي- سياسي، وما هو اقتصادي اجتماعي .
فعلى المستوى التشريعي: بالرغم من كون المغرب من البلدان المصادقة والموقعة
على أهم الاتفاقيات الدولية الضامنة للحقوق اللغوية والثقافية للشعوب دون تمييز، وبالرغم
من بديهية وجود اللغة الأمازيغية وثقافتها كمكون أساسي للهوية الوطنية فلا وجود لنص
رسمي يؤكد ذلك.
وعلى المستوى السياسي، أدت الاختيارات والأولويات التي تبنتها التنظيمات السياسية
إبان الاستقلال، وتحت ضغط الرغبة في تحقيق
الدولة الوطنية المركزية، إلى تجاهل اللغة والثقافة الأمازيغيتين بدافع إقصاء وطمس
الخصوصيات والاختلافات، لصالح منطق الأحادية الذي كان المحرك الرئيسي للحركة الوطنية
والتيارات الحزبية والاتجاهات السلفية. كما أن السياسية اللغوية والثقافية السائدة
تركز فقط على البعدين الإسلامي والعربي للهوية
الوطنية، مع اختزالها في غالب الأحيان في البعد العربي، متجاهلة بذلك الحقوق اللغوية
والثقافية للمغاربة الناطقين بالأمازيغية .
وعلى المستوى الاجتماعي-الثقافي، فقد راكب هذا التوجه السياسي إلغاء للبادية
من مسلسلات التنمية، والاكتفاء باستغلالها ظرفيا في الانتخابات والصراعات حول السلطة،
الشيء الذي أدى تدريجيا إلى تهميش الضواحي الريفي لصالح المراكز الحضرية تهميشا كانت
له انعكاسات سلبية على وضعيتها الاقتصادية والثقافية .
وحيث إن اللغة والثقافية الأمازيغية بصفة خاصة والثقافة الشعبية بصفة عامة
مرتبطة بالفئات المستضعفة وخاصة منها الفلاحين، فإنها كانت أولى ضحايا هذا المخطط
الإقصائي القسري. وبالفعل فإن التيارات السياسية تتأرجح بين تغييب المسألة الثقافية
من برامجها وبين اختزال قضاياها في مسألة التعريب بمفهومه الإديولوجي، مما أدى بالبادلة
إلى عدم ملاحقة ركب التطورات الاجتماعية والتفاعلات الثقافية التي يتمخض عنها الواقع
المعيشي في مختلف الأوساط المغربية .
أما على المستوى الاقتصادي، فإن الواقع الرمزي الذي تعيشه الثقافة الأمازيغية
يرجع بالأساس إلى كونها منتشرة بالخصوص في المجتمعات القروية التي كانت تعيش على النظام
ما قبل الرأسمالي، كما تعرضت إلى الانهيار والتفكك تحت وطأة النمط الاقتصادي النقدي
المعتمد على تمركز رأس المال والملكية العقارية وبعثرة قوى العمل. مما أدى إلى زعزعة
كيان المجتمع القروي، وقد ترتب عن هذا الانهيار
خلل طال أهم البنيات المجتمعية والأسرة، ليعصف نتيجة لذلك بالقيم التي كان توازن المجتمع
البدوي مرتكزا عليها كالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وما يواكبها من تكافل وتآزر، وذلك لصالح الملكية الفردية وما صاحبها من تحول في الذهنية الثقافية للأفراد والجماعات
.
وبفعل هذه العوامل وغيرها، أصبحت اللغة والثقافة الأمازيغيتان روما يرتبط
بهما من ممارسات وتعابير أدبية وفنية وقيم حضارية تتعرض تدريجيا للتلاشي والإهمال،
خاصة وأن المجتمع القروي يسير نحو تبعية شاملة، اقتصاديا وثقافيا، للمجتمع الحضري،
مما أدى إلى تسريع سيرة استلاب الهوية الثقافة الأمازيغية ومحاولة إقصائها من البنيات
المكونة للشخصية الثقافية المغربية .
4- آفاق العمل الثقافي
الأمازيغي
بالنظر إلى التناقص المهول بين أهمية الثقافة واللغة الأمازيغيتين وحيويتها
ومكونتها في تكوين الشخصية المغربية الغنية بتعددها وتنوع أبعادها من جهة، وبين ما
يعيشه هذان العنصران من تهميش وإهمال من جهة ثانية، فإن إنعاشهما وتنميتهما ضرورة ملحقة
ومسؤولية ملقاة على عاتق الأفراد والجماعات والهيئات الوطنية، من أجل إقامة سياسة لغوية
وثقافية ديمقراطية تتأسس على اعتبار واحترام الحقوق اللغوية والثقافية المشروعة
.
لذا فإن من بين المهام الواجب تحقيقها، في أفق بناء ثقافة مغربية ديمقراطية،
العمل على ما يلي:
1- الإقرار في الدستور
المغربي بكون اللغة الأمازيغية لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية
.
2- إخراج معهد الدراسات والأبحاث الأمازيغية إلى حيز الوجود ليتولى تأطير مشاريع النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين بهدف تطبيق الإجراءات التالية :
2- إخراج معهد الدراسات والأبحاث الأمازيغية إلى حيز الوجود ليتولى تأطير مشاريع النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين بهدف تطبيق الإجراءات التالية :
أ- وضع خط معياري موحد
لكتابة اللغة الأمازيغية
ب- تحقيق معيارية اللغة
الأمازيغية .
ت- إعداد أدوات بيداغوجية
لتدريس اللغة الأمازيغية
ث- إدماج تعليم اللغة والثقافة
الأمازيغيتين في البرامج التعليمية الرسمية.
3- إدماج الثقافة الأمازيغية
في مختلف مجالات الثقافة والتعليم وإنشاء شعب للغة والثقافة الأمازيغيتين بالجامعات
المغربية .
4- إعطاء الثقافة الأمازيغية
إمكانيات الاستفادة من برامج البحث العلمي الجامعي والأكاديمي
.
5- إعطاء الثقافة الأمازيغية حقها من وسائل الإعلام المكتوبة
والسمعية والمرئية على غرار المكونات الثقافية الأخرى.
6- تشجيع الإنتاج والإبداع
في مختلف مجالات المعرفة الثقافية باللسان الأمازيغي .
7- إعداد ونشر واستعمال
أدوات التعبير والتلقين باللغة الأمازيغية .
الجمعيات الموقعة على الميثاق:
- الجمعية المغربية للبحث
والتبادل الثقافي - الرباط
- جمعية الجامعة الصيفية
بأكادير - أكادير
- جمعية أغريس الثقافية - كلميمة
- الجمعية الجديدة للثقافة
والفنون الشعبية الرباط
- جمعية إلماس الثقافية - الناظور
- الجمعية الثقافية لسوس - الدار البيضاء
تعليقات